
لقد تسببت العقوبات الأمريكية المُشددة على روسيا في تعطيل التجارة المزدهرة في النفط الروسي المُخفض إلى الصين والهند، مما أدى إلى إحياء الطلب على الخام في الشرق الأوسط و أفريقيا، وإثارة إضطراب أسواق الشحن ودفع أسعار النفط إلى الإرتفاع.
أستهدفت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بواسطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في العاشر من يناير/كانون الثاني 2025، الناقلات التي تحمل النفط الروسي في محاولة للحد بشكل أكثر فعالية من عائدات الحكومة الروسية النفطية، وهو هدف العقوبات الغربية المفروضة بعد غزوها لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات تقريباً.
لقد تركت القواعد الجديدة ملايين البراميل من النفط مخزونة على السفن وأرسلت التجار للبحث عن بدائل، في حين تباطأت التعاملات في الخام الروسي، المصدر الأكبر (لأكبر ) المستوردين العالميين الصين والهند، في مارس/آذار 2025.
لقد قلب هذا التدافع حركة السوق رأساً على عقب، حيث لبضعة أسابيع، أصبح خام دبي القياسي عالي الكبريت أكثر تكلفة من خام برنت مُنخفض الكبريت، والذي يسهل مُعالجته!
فتح هذا فُرصًا للمُنتجين من البرازيل إلى كازاخستان للحصول على حصة في سوق الهند و الصين.
قال متعاملون لوكالة رويترز، إن زيادات على الخام البرازيلي قفزت الشهر الماضي إلى نحو 5 دولارات للبرميل مقابل أسعار خام برنت على أساس التكلفة و الشحن إلى الصين، إرتفاعا من نحو 2 دولار في الشهر السابق، وهذه أقل قليلا الآن من 5 دولارات للبرميل للشحنات التي تصل في مايو/أيار 2025.
في مارس/آذار 2025، من المُقرر أن تستورد الصين أول شحنة لها منذ يونيو/حزيران 2024، من مزيج سي بي سي الكازاخستاني، حسبما أظهرت بيانات كبلر.
قال مُتعامل مُقيم في سنغافورة، لوكالة رويترز، إن الذراع التجارية لشركة توتال إنرجيز تلقت الكثير من الإستفسارات في الأسبوع الذي أعقب العقوبات الجديدة، لدرجة أنها عقدت عطاءات بدلا من مفاوضات خاصة لبيع شحناتها من الخام في الشرق الأوسط، والتي ذهبت في النهاية إلى شركة سينوك الصينية و رونغشينغ للبتروكيماويات.

في إنعكاس للتهافت على الخام في الشرق الأوسط، تضاعفت علاوات الخامات (عُمان، دبي ومُربان) بأكثر من الضعف في يناير/كانون الثاني 2025، مُقارنة بـ ديسمبر/كانون الأول 2024، وظلت فوق 3 دولارات للبرميل بالنسبة لخام دبي، على الرغم من إنخفاض الطلب من المصافي في أعمال الصيانة الموسمية.
بالإضافة إلى ذلك، رفعت شركة أرامكو السعودية، أكبر مُصدر للنفط الخام، أسعار الخام المتجه إلى آسيا إلى أعلى مُستوى منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، مما رفع التكاليف على المصافي.
قال بائع للخام من أنغولا، لوكالة رويترز، إن هناك زيادة في الطلب من المُشترين الآسيويين.
قال تاجر صيني، لوكالة رويترز، أخذت يونيبك (ذراع تجارية لأكبر شركة صينية حكومية – سينوبك) الكثير من شحنات الخام من غرب إفريقيا، وخاصة النفط الأنغولي – وهو إهتمام جيد بالشراء بعد رأس السنة القمرية الجديدة.
مع تعطل السُفن الخاضعة للعقوبات في المياه، سارع العديد من التُجار إلى التحول إلى سفن أخرى تكلف الآن أضعافًا مُضاعفة، مما يضيف ملايين الدولارات إلى تكلفة كل شحنة
إن إرتفاع التكاليف أمر صعب بشكل خاص على المصافي في الهند، حيث عززت البلاد في أواخر العام الماضي تحولها من مصادر الشرق الأوسط القديمة لشراء المزيد من النفط من روسيا، عندما أبرمت شركة ريلاينس إندستريز إتفاقية توريد مدتها 10 سنوات مع شركة روسنفت الروسية العملاقة بقيمة تقارب 13 مليار دولار سنويًا.
هذا الأسبوع، قال وزير النفط الهندي، إن مصافي التكرير في البلاد تريد شراء النفط الروسي فقط من الشركات والسفن غير الخاضعة لعقوبات الولايات المتحدة، حيث قالت مصادر تكرير هندية لوكالة رويترز، إن هذا قلل فعليًا من عدد الشحنات والسفن المتاحة، حيث إنه مع وجود إمدادات محدودة من الشحنات (الغير خاضعة للعقوبات)، تقلصت الخصومات على خام الأورال الروسي مقابل سعر خام برنت إلى 2.50-2.90 دولار للبرميل للتسليم في مارس/آذار 2025، مقابل 3-3.50 دولار قبل عقوبات يناير/كانون الثاني 2025، وهي زيادة كبيرة في التكلفة على شحنة نموذجية من مليون برميل.
قال مصدران هنديان في قطاع التكرير، لوكالة رويترز، إن إرتفاع تكاليف الخام الروسي قلص الفجوة السعرية مع خام الشرق الأوسط إلى نحو 3 دولارات للبرميل من 6-7 دولارات للمصافي الهندية، وهو ما لا يوفر حافزاً كبيراً للمخاطرة بتكبد عقوبات ثانوية من الولايات المتحدة، و إن المُشترين الهنود رفضوا عروضاً من شركة الشحن الروسية العملاقة سوفكومفلوت Sovcomflot لتلقي المدفوعات بأي عملة، بما في ذلك الروبية الهندية، مقابل النفط الروسي الذي يتم شحنه على ناقلات خاضعة للعقوبات، بعد أن التقى الرئيس التنفيذي للشركة بالمُشترين في الهند على هامش مؤتمر أسبوع الطاقة الهندي هذا الأسبوع.
وقد أدى التباطؤ إلى زيادة النفط الروسي المُخزن على متن السفن بمقدار 17 مليون برميل منذ 10 يناير/كانون الثاني 2025، وفقًا لمذكرة صادرة عن مصرف غولدمان ساكس في 5 فبراير/شباط 2025، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 50 مليون برميل في النصف الأول من عام 2025.
قال مسؤول تنفيذي كبير في شركة تجارية عالمية كبرى، لوكالة رويترز، نشهد إرتفاعًا في الحجم العائم، و هناك عدد من الناقلات التي تحمل النفط الروسي تحاول الدخول لموانيء شاندونغ والموانئ الجنوبية في الصين والتي لا تشكل عادةً نقاط دخول كبيرة.
تعد مقاطعة شاندونغ مركزًا للمصافي الصينية المُستقلة التي كانت المُشترين الأساسيين للنفط المُخفض الخاضع للعقوبات من روسيا وكذلك إيران وفنزويلا.

يأتي إنقطاع الإمدادات الروسية في أعقاب إنخفاض واردات النفط الإيراني من قبل الصين، أكبر مُشترٍ للنفط الإيراني، وسط ضغوط أمريكية مُشددة، حيث تعهد الرئيس دونالد ترامب مُؤخرًا بخفض صادرات إيران النفطية إلى الصفر.
قدر مصرف غولدمان ساكس، أن التخزين العائم للنفط الإيراني أرتفع بمقدار 14 مليون برميل منذ بداية العام إلى أعلى مستوى له في 14 شهرًا، وقال المُحللون إن فرض عقوبات أكثر صرامة قد يُخفض إنتاج إيران بمقدار مليون برميل يوميًا ويدفع خام برنت إلى 80 دولارًا للبرميل بحلول أيار/مايو 2025.
قال أحد التجار، إن الضغط على الخام الرخيص في الصين، إلى جانب ضعف الطلب المحلي، دفع العديد من المُصافي المُستقلة إلى الإغلاق للصيانة بدلاً من خسارة 500 يوان (68.62 دولارًا) لكل طن من الخام غير الخاضع للعقوبات الذي تتم معالجته بناءً على عروض تتراوح بين 7 و8 دولارات للبرميل فوق سعر خام برنت في بورصة إنتركونتيننتال المُسلمْ إلى الصين.
من ناحية أخرى، من المُرجح أن تتجنب مصافي النفط الحكومية الصينية النفط الروسي مع تقليص العقوبات لعدد الأطراف المُقابلة وشركات التأمين لمثل هذه المعاملات، في حين أصبحت الموانئ الرئيسية مثل تشينغداو وريزهاو أكثر صرامة، وفقًا لمصدر مطلع على الأمر تحدث لوكالة رويترز.

حيث قدر المصدر لوكالة رويترز، أن أحجام الصادرات الروسية إلى الصين ستنخفض بما يتراوح بين 700 ألف و800 ألف برميل يوميًا إعتبارًا من مارس/أذار 2025، بعد إنتهاء الإعفاءات من العقوبات، وسيعادل ذلك إنخفاضًا بنسبة 70٪ على الأقل عن كانون الثاني/يناير 2025، وفقًا لبيانات شركة كبلر.
قال مسؤولون في الصناعة لوكالة رويترز، إنه قبل أسابيع من الإعلان عن العقوبات في وثيقة مكونة من 27 صفحة، حذرت السلطات مصافي التكرير الهندية وقامت ببعض المُشتريات مقدمًا.
في الصين، أصدرت مجموعة ميناء شاندونغ حظرًا قبل ثلاثة أيام على السفن الخاضعة للعقوبات من الرسو في موانئها، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الخطوة مُرتبطة.
قال متعاملون لوكالة رويترو، إن من بين العلامات الأخرى التي تشير إلى أن الأسواق تتوقع إجراءات جديدة إرتفاع الطلب على الخام من الشرق الأوسط وأفريقيا من المُشترين الصينيين والهنود، والإندفاع لإستئجار السفن مما أدى في وقت لاحق إلى إرتفاع حاد في أسعار الناقلات.
قال آدي إمسيروفيتش، مدير شركة الإستشارات ساري للطاقة النظيفة، والتاجر السابق في النفط لدى شركة غازبروم الروسية، إن تأثير العقوبات قد يحد من الصادرات الروسية بما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا في الأمد القريب، وقال بأن التوقع الحقيقي الوحيد الذي يمكننا أن نتوصل إليه هو أن السوق سوف تصبح أكثر تقلبا، ومع المزيد والمزيد من التدخل الحكومي في الأسواق، سوف تصبح أكثر تقلبا.
(نقلاً عن تحليل لوكالة رويترز)






